عفيف تكتب: المسار الطويل بين وعود الحكومة وواقع المواطنين
ثورية عفيف*
“لا يزال المسار أمامنا طويل” بهذه العبارة اختار رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن يختزل حصيلة أربع سنوات من التدبير الحكومي.
غير أن وقع هذا التصريح بدا منقطع الصلة عن المزاج العام، وكأن رئيس الحكومة لم يسمع يوما نبض الشعب، ومطالب جيل Z برحيله وحكومته، أو كأنه اعتاد هذه المسافة الفاصلة بين برجه العاجي وحقيقة الشارع المغربي. فأي “مسار” يقصده رئيس الحكومة؟ هل هو مسار الخيبات المتراكمة التي دفعت مختلف فئات المجتمع من الشباب إلى الشيوخ، بل حتى الرضع على أكتاف أمهاتهم وأبائهم إلى الشوارع تعبيرا عن حالة سخط غير مسبوقة؟
يستمر رئيس الحكومة في تقديم صورة وردية لإنجازات لا يراها إلا هو ومن يشاركه محيطه الضيق، في وقت تشير المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية إلى أن الوضع يسير في اتجاه مغاير. فخلال أربع سنوات، تراجعت القدرة الشرائية بشكل خانق، وتدهورت أوضاع الطبقة المتوسطة، وارتفعت البطالة إلى مستويات تدرج المغرب ضمن أعلى ست دول بطالة في العالم سنة 2025.
ومن ضرب القدرة الشرائية، إلى تهجير الأسر من مساكنها، إلى إقصاء فئات واسعة من منظومة التغطية الصحية، بدا أن السياسات الحكومية لا تستحضر الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية. ولم ولن ينس المواطنون قرار تسقيف سن الولوج لمهنة التعليم في 30 سنة ثم في 35 سنة، هذا القرار الاقصائي الذي حطم طموحات آلاف الشباب.
وتجاوزت الاخفاقات حدود الفشل في السياسات لتلامس عمق البنية التدبيرية للحكومة، المتهمة بتغذية تضارب المصالح والتطبيع مع الفساد. وتقدر مؤسسات دولية خسائر المغرب بنحو 50 مليار درهم سنويا بسبب الفساد، وهو رقم صادم يعكس حجم النزيف الذي يبتلع المال العام. كما أن الحكومة سنت قوانين “على المقاس” وتغلب المصالح الخاصة على حساب المواطنين، في تكريس لهيمنة نخبوية تصادر القرار العمومي وتعمق الفوارق.
وقد رفعت الحكومة في بداية ولايتها وعودا براقة: خلق مليون منصب شغل، رفع نشاط النساء إلى 30%، تعميم الحماية الاجتماعية، بناء طبقة فلاحية متوسطة، إدماج مليون أسرة في الطبقة الوسطى، إصلاح التعليم ليلتحق بأفضل 60 دولة، تقليص الفوارق الترابية… غير أن الواقع جاء على النقيض تماما. فالتعليم يحتل المرتبة 154 من بين 218 دولة، والصحة في 94 من أصل 99 دولة، والفوارق تتسع بشكل يضرب العمق الاجتماعي، كما أكد ذلك خطاب العرش حين تحدث عن مغرب يسير بسرعتين. المقاولات الصغرى والمتوسطة تفلس، والبرامج الاجتماعية تقهقرت، والخدمات الأساسية تراجعت.
والمستقبل لن يبنى بحكومة فقدت صلتها بالشعب، بل بحكومة تعبر بصدق عن الإرادة الشعبية الحرة وعبر انتخابات نزيهة وديمقراطية، حكومة تجسد فعلا لا قولا تطلعات المواطنين، وتشتغل بنبض الشارع لا بنبض اللوبيات.
بلدنا يحتاج إلى حكومة تعيد القرار إلى أصحابه، وتقطع بشكل نهائي مع زواج المال بالسلطة، ومع تضارب المصالح، ومع كل أشكال التحكم التي حولت السياسة إلى امتياز خاص بدل أن تكون خدمة عامة. ويحتاج إلى حكومة تعيد الثقة لشعب شعر أن ثقته سرقت منه، وتعيد الاعتبار لمسؤولية يفترض أن تكون عقدا أخلاقيا، لا مسرحا للوعود الجوفاء.
إن “المسار الطويل” الذي تحدث عنه رئيس الحكومة، ليس سوى المسافة الشاسعة بين خطاب الحكومة والواقع المعيشي، وبين وعود رفعت سقف التوقعات وحصيلة هوت بها أرضا. والمستقبل لن ينتظر، والشعب لم يعد يقبل بالمسارات التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الخيبات.
*عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية





























