تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
image الفتحاوي تكتب: حين تُفكك الأسر… فالحكومة مسؤولة والسياسات الفاشلة هي السبب
A | A+ | A- |

الفتحاوي تكتب: حين تُفكك الأسر… فالحكومة مسؤولة والسياسات الفاشلة هي السبب

 

 

في جلسة الأسئلة الشفوية الأخيرة بمجلس النواب، يوم الاثنين 3 نوفمبر 2025، أثار تصريح السيد وزير العدل جدلًا واسعًا حين اعتبر أن الطلاق "ليس شأنًا حكوميًا بل قرارًا إنسانيًا"، وذهب إلى حد الاستهزاء من إدراج قضايا الزواج والطلاق في البرنامج الحكومي. هذا التصريح، وإن بدا في ظاهره دفاعًا عن حرية الأفراد، فإنه في جوهره تنصل واضح من مسؤولية الدولة تجاه الأسرة المغربية، التي تُعد نواة المجتمع وأساس استقراره. وقال بأن "الطلاق ليس جريمة بل قرار إنساني، منتقدًا إدراج موضوع الطلاق في البرنامج الحكومي ومؤكدًا أن الحياة الزوجية شأن خاص يجب احترامه". ووصفه بأنه اختيار إنساني نابع من إرادة الطرفين، تمامًا كما اختارا الزواج في البداية. ورفض إدراج الزواج والطلاق في البرنامج الحكومي: قال بنبرة حادة: "زوج بغاو يتزوجو يتزوجو، بغاو يطلقو يطلقو… احترموا الناس ودعوا حياتهم تسير وفق رغبتهم". واعتبر أن العلاقات الأسرية لا يجب أن تكون موضوعًا للمزايدات السياسية أو تدخلات حكومية.

نسبة البطالة في صفوف الشباب تجاوزت 20%، ومعدل الفقر ارتفع إلى أكثر من 11.8% حسب المندوبية السامية للتخطيط.

السيد الوزير المحترم،

حين تصرّحون بأن الطلاق ليس شأنًا حكوميًا بل قرارًا إنسانيًا، فإنكم تتجاهلون الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الأسر المغربية، والذي تتحمل الحكومة جزءًا كبيرًا من مسؤوليته، سواء عبر السياسات الاقتصادية أو التشريعات الأسرية. الطلاق ليس مجرد قرار فردي، بل نتيجة لسلسلة من الاختلالات البنيوية التي تتطلب تدخلًا حكوميًا عاجلًا. نُبين بعضها في التالي:

أولًا: الطلاق نتيجة لسياسات حكومية غير منصفة

وفقًا لإحصائيات وزارة العدل، سُجلت أكثر من 40 ألف حالة طلاق سنة 2024، منها أكثر من 39 ألف عبر مسطرة الشقاق، أي بنسبة تفوق %97. هذه الأرقام تعكس تحولًا خطيرًا في بنية الأسرة المغربية، حيث أصبح الطلاق خيارًا اضطراريًا أمام ضغوط اقتصادية واجتماعية لا تُحتمل.

البطالة تجاوزت لأول مرة 13%! وفي صفوف الشباب تجاوزت %20، ونسبة الفقر ارتفعت إلى أكثر من %11.8 حسب المندوبية السامية للتخطيط، والقدرة الشرائية تراجعت بشكل ملحوظ بسبب التضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية، والسكن، والنقل، والتعليم، مما جعل الحياة الزوجية عبئًا بدل أن تكون سكنًا ومودة.

لا أدري كيف غاب عنك أن الحكومة عندما تعجز عن توفير شروط العيش الكريم، فإنها تخلق بيئة خصبة للتوتر الأسري والتفكك. فكيف يمكن اعتبار ذلك خارج اختصاصها؟ فإذا إذا كانت الحكومة لا ترى نفسها مسؤولة عن الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، فلماذا لم تقدم استقالتها؟ أليست مهمتها الأساسية تحسين ظروف وعيش المواطنين؟ وإذا كانت الأسرة تنهار تحت وطأة الفقر والبطالة، فمن غير الحكومة مسؤول عن معالجة الأسباب؟

ثانيًا: التناقض مع تقديم مدونة الأسرة

إذا كانت الحياة الزوجية "شأنًا خاصًا"، فلماذا تقدم الحكومة قانون مدونة الأسرة إلى البرلمان؟ أليس هذا القانون هو الذي ينظم كل تفاصيل الحياة الأسرية: الزواج، الطلاق، الحضانة، النفقة، الولاية، التعدد، إثبات النسب، والوصاية… فكيف تُنكر الحكومة مسؤوليتها حين تظهر نتائج تلك التشريعات في الواقع وتدمر حياة الأسَر؟ أليست الحكومة هي من تُشرّع، وهي من تُنفذ، وهي من تُراقب؟ أليست، بالتالي، هي مسؤولة عن آثار تلك التشريعات، سواء كانت إيجابية أو سلبية.

ثالثًا: احترام الخصوصية لا يعني التنصل من المسؤولية

لا أحد يطالب الحكومة بالتدخل في غرف النوم، لكن المغاربة يطالبونها بـتحسين الظروف التي تجعل الزواج ممكنًا وميسّرًا، وتجعله سكنًا ورحمة. كما يطالبونها بتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للأسر الهشة، وتفعيل الوساطة الأسرية قبل الطلاق، وتعميم مراكز الإصغاء والمرافقة ودعم الجمعيات الارشاد الأسري التي تكافح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أسر كانت على وشك الانفجار بفعل الطلاق الذي يراه السيد وزير العدل شأنا شخصيا لا علاقة للحكومة به! 

الطلاق ليس جريمة، صحيح، لكنه مؤشر على خلل مجتمعي؛ الحكومة مسؤولة عن معالجته لا تجاهله. الطلاق في ارتفاع كبير والحكومة تكتفي بالمزاح! ولم يعد مجرد قرار فردي، بل أصبح ظاهرة اجتماعية مقلقة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسياسات فاشلة وبتنصل واضح من المسؤولية التدبيرية، والتصريحات التي تحاول فصل الحكومة عن هذه المسؤولية، لا تخدم سوى تعميق الأزمة. الأسرة تنهار والحكومة تستهزئ بدل أن تتحمل المسؤولية؛ فالطلاق ليس نكتة سياسية كما حاول السيد الوزير إقناعنا… بل هو أزمة اجتماعية تُغذّيها السياسات الحكومية.

/ تاريخ النشر 2025-11-05
آخر المستجدات

جريدة المجموعة